Friday, December 29, 2006

تاريخيا صوت الأميركيون لنساء أكثر مما صوتوا لرجل أسود.. لكن أميركا لن تنتخب تكفيرا عن «عقدة ذنب»

واشنطن: منال لطفي

على مدى 220 عاما، انتخب الأميركيون دائما رجلا أبيض مسيحيا للبيت الأبيض، ولم ينتخبوا أي إمرأة، أو رجلا من عرق غير العرق الأبيض. لكن هذا قد يتغير خلال عامين. فالحزب الديمقراطي الذي قدم لأميركا أول مرشحة رسمية لمنصب نائبة الرئيس وهي جيرالدين فيرارو عام 1984، وقدم أول رئيسة لمجلس النواب وهي نانسي بيلوسي، وقدم أول سيناتور سوداء هي شيرلي شيزهولم، التي ولدت في بروكلين بنيويورك في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 1924 وتوفيت في 1 يناير 2005. وأصبحت في 1968 أول إمرأة أميركية من أصل افريقي تنتخب في مجلس النواب ممثلة عن نيويورك، حيث انتخبت لسبع دورات حتى 1983. وفي 23 يناير (كانون الثاني) 1972، أصبحت أول امرأة أميركية سوداء تشترك في الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين لانتخابات الرئاسة، واذيع نبأ ترشيحها على الهواء في التلفزيون، ونالت أصوات 152 في الانتخابات التمهيدية، غير انها خسرت في النهاية امام السيناتور عن ساوث داكوتا جورج ماكغفرن... هذا الحزب الديمقراطي بدأ يتنافس على الترشح عنه لانتخابات الرئاسة، من يمكن أن تكون «أول رئيسة إمرأة» وهي هيلاري كلينتون، ومن يمكن أن يصبح «أول رئيس أسود» وهو باراك اوباما. ومن شدة التنافس بينهما لم يعد من الممكن الإتيان على ذكر أحدهما بدون ذكر الآخر. فهما من يمكن ان يعيد الرئاسة للديمقراطيين، لكن حتى اذا لم يحدث هذا سيحسب لهما انهما ساهما الى حد كبير في عبور تابو «النساء والسود» في البيت الأبيض. ومن أوجه التشابه بين هيلاري، وهي من مواليد 26 اكتوبر (تشرين الأول) 1947، واوباما، وهو من مواليد 4 أغسطس (آب) 1961، أن كلا منهما خريج قانون وعمل بالمحاماة، وكلاهما عضو في الحزب الديمقراطي، وكلاهما خلفيته السياسية هي العمل كسيناتور في الكونغرس، هيلاري عن نيويورك، واوباما عن إلينوي، وهي وللمصادفة المدينة التي ولدت فيها هيلاري، وذلك على خلاف الخلفية السياسية لكل من بوش الإبن وبيل كلينتون، فكلاهما كان حاكم ولاية، الأول حاكم تكساس والثاني حاكم اركنسو. وفي المفاضلة بينهما نظريا قد تبدو حظوظ هيلاري، أفضل، فتاريخيا مال الأميركيون للتصويت لإمرأة في الانتخابات أكثر مما صوتوا لرجل أسود. فعدد النساء في الكونغرس أكثر من عدد الأميركيين السود. وحاليا اوباما هو الأميركي الأسود الوحيد في مجلس الشيوخ، وهو ثالث اسود خلال مئة عام ينتخب في مجلس الشيوخ. أما على صعيد منافسات الرئاسة، فلم يترشح من السود لخوض الانتخابات التمهيدية للرئاسة عن الحزب الجمهوري أي شخص. اما عن الحزب الديمقراطي فقد ترشح اثنان فقط هما شيرلي شيزهولم عام 1972 التي خسرت امام جورج ماكغفرن، وجيسي جاكسون الذي جاء ثانيا في الانتخابات التمهيدية عام 1984 بعد وولتر مونديل، ثم حل ثانيا مجددا عام 1988 بعد مايكل دوكاكيس.

وبرغم تصويت الأميركيين عموما للنساء أكثر من الرجال السود، تقف هيلاري عمليا أمام الرجل الذي وضعته مجلة «تايم» الأميركية على غلافها مع عنوان «لماذا يمكن أن يكون باراك اوباما الرئيس المقبل»، والرجل الذي اصطف الآلاف للحصول على توقيعه على كتابه «اوديسا الأمل»، فقال أحد المعلقين: متى كانت آخر مرة رأيت فيها الناس مصطفين للحصول على توقيع من سياسي؟

ظاهرة «الهوس باوباما» حركت مبكرا فريق هيلاري كلينتون، ففي النهاية تتساءل أميركا عما إذا كان ذلك السيناتور الذي لم يشغل منصبا سياسيا عاما الا منذ عامين فقط، سيترشح للرئاسة أمام هيلاري كلينتون (أكثر من 3 عقود في العمل السياسي) وجوزيف بيدن (أكثر من 3 عقود في العمل السياسي)، وجون كيري (نحو عقدين في العمل السياسي). وقال مسؤول في الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» في هذا الصدد «أعتقد أن أميركا جاهزة لرئيس أسود أكثر من استعدادها لإمرأة رئيسة». وأعرب المسؤول الأميركي عن اعتقاده بأن أميركا كانت جاهزة ربما لانتخاب وزير الخارجية السابق كولن باول كأول رئيس أسود لو كان قرر الترشح عن الجمهوريين في انتخابات 1996 عندما كانت شعبيته في ذروتها أو عام 2000، مشيرا إلى أن باول كان يمكن ان يصبح الشخص الذي غير مجرى التاريخ. وهيلاري، في حال نيلها بطاقة الترشح لمنصب الرئيس عن الحزب الديمقراطي، ستكون أول امرأة تفعل هذا، وبالرغم من انه تاريخيا كانت هناك 23 مرشحة للرئاسة في أميركا منذ 1872 الى 2000، إلا أن أيا منهن لم تترشح عن الحزبين الكبيرين، الديمقراطي أو الجمهوري، بل ترشحن عن أحزاب صغيرة مثل الحزب الاشتراكي وحزب الشعب وحزب الخضر. وكانت فيكتوريا ودهيل أول إمرأة أميركية تترشح للرئاسة وذلك عام 1872، وعندما ترشحت قال لها أحد أعضاء الكونغرس «لأنك إمرأة، فأنت لست مواطنا أميركيا، وإذا لم تكوني مواطنا أميركيا لا يحق لك التصويت أو الترشح لمنصب رئيس أميركا». لكن الفرق بين هيلاري ومن سبقنها أن الأخريات كن يترشحن لتأكيد حق النساء في الترشح، وقدرتهن على ممارسة السياسة، لكن هيلاري تترشح لأنها قادرة في رأي الكثيرين داخل وخارج الحزب الديمقراطي على قيادة أميركا.

أما النساء اللواتي ترشحن لمنصب نائب الرئيس فهن نحو 66 مرشحة منذ 1884 وحتى 2004، كن كلهن باستثناء واحدة إما مستقلات أو ممثلات لأحزاب صغيرة مثل الحزب الاجتماعي، والخضر، والسلام والعدالة. المرأة الوحيدة التي ترشحت عن أحد الحزبين الكبيرين هي جيرالدين فيرارو التي ترشحت نائبة لمرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة وولتر مونديل عام 1984، وقد خسرا الانتخابات امام رونالد ريغان وجورج بوش الأب في ولايتهما الثانية بفارق كبير. وصوتت غالبية النساء الأميركيات ضدها. وهو مؤشر يقلق حملة هيلاري، التي تشير استطلاعات الرأي حتى الآن إلى أن شعبيتها وسط النساء ليست مرتفعة. فيرارو ذات الجذور الايطالية درست القانون مثلها مثل هيلاري واوباما، كما انها مثل هيلاري كانت سيناتور في الكونغرس عن نيويورك. وهي سياسية بالغريزة، ومثلها مثل هيلاري قادرة على «البقاء سياسيا» برغم الفضائح، فكما خرجت هيلاري من فضائح وايت ووتر وفضيحة زوجها في مونيكا جيت، وهي فضائح كانت كفيلة بالقضاء على المستقبل السياسي لأي شخص، لتترشح للكونغرس وتفوز، خرجت فيرارو من فضائح تهرب زوجها من الضرائب الى انتخابات الكونغرس. لكن هيلاري تمتاز عن فيرارو بعدة أشياء، أولها أنها من كبار النافذين في الحزب الديمقراطي، أو بمعنى آخر من داخل المؤسسة، وهي انضمت إليه بطريقة غريبة يمكن أن تفسر بعض التناقضات في أفكارها السياسية. فهي كانت مؤيدة للحزب الجمهوري، واشتركت في الحملات الدعائية لعدد من المرشحين الجمهوريين خلال سنوات دراستها الجامعية، غير انه بعد اغتيال داعية الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ 1968، الذي قابلته وحضرت له احدى خطبه قررت الانضمام الى الحزب الديمقراطي. وهي لهذا مثلا تدعم مبدأ القوة في العلاقات الدولية، وأيدت الحرب على العراق، غير انها من ناحية اخرى ليبرالية في آرائها الاجتماعية والأخلاقية، واشتراكية (بمعنى مجازي) في آرائها الاقتصادية، فهي تؤيد حق الاختيار في الاجهاض وتؤيد ابحاث القضايا الجذعية، كما تؤيد تعزيز دور الدولة في الاقتصاد، وفي مد شبكة الخدمات الاساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم الاساسي، وهو تناقض يقلق الناخبين الديمقراطيين، فالمحافظون منهم قد ينقلبون عليها بسبب افكارها الاجتماعية، اما الليبراليون والرافضون للحرب، فقد يفضلون عليها اوباما لأنه رفض الحرب. كما تمتاز هيلاري بقدراتها على جمع التبرعات، فهي كانت أكثر مرشح ديمقراطي استطاع أن يجمع أموالا خلال حملتها الانتخابية للكونغرس في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

ومن نقاط قوة هيلاري أمام اوباما خبرتها السياسية الطويلة. فخلال ولاية كلينتون كانت بمثابة نائب آخر للرئيس إلى جانب آل غور، خاصة في قضايا الرعاية الصحية. وخلال حملته الانتخابية، قال كلينتون مرارا «انتخب اثنين بسعر واحد»، ما دفع البعض إلى وصف رئاسة كلينتون بالرئاسة المشتركة بينه وبين هيلاري، وأحيانا أطلق على ظاهرتهما «بيل ـ لاري». وعندما انتخب كلينتون رئيسا عام 1992 كانت هيلاري أول سيدة أولى في تاريخ أميركا حاصلة على درجة الدكتوراة، وأول سيدة أولى لها عمل ثابت خارج اطار عملها البروتوكولي. وهي تعد أكثر السيدات الأوائل في تاريخ أميركا قوة وليبرالية إلى جانب اليانور روزفلت. وكونها إمرأة قد يلعب دورا ايجابيا وسلبيا في الوقت ذاته. فمن المؤكد أن هناك الكثيرات من الأميركيات يردن أن تأتي إمرأة رئيسة للبيت الأبيض، لكن هل تنسجم هيلاري مع صورة المرأة كما ستصورها غالبية الأميركيين؟ أم أنها ربما أكثر قوة واستقلالية وليبرالية مما يجب؟

يقول المسؤول الأميركي الذي تحدثت إليه «الشرق الأوسط» في هذا الصدد: إن هيلاري لا ينظر اليها وسط غالبية النساء الأميركيات على أنها إمرأة، فهي كسرت الصورة التقليدية للنساء، وذلك بمواقفها وأفكارها السياسية وشخصيتها. بمعنى أن النساء اللواتي يمكن أن يصوتن لهيلاري إذا ما اختارها الحزب الديمقراطي للترشح، لن يصوتوا لها لأنها امرأة، بل على أرضية المواقف التي ستطورها من القضايا المختلفة. وتابع المسؤول، الذي لا يستطيع الكشف عن هويته: إن التاريخ قد يقف ضد هيلاري، فهي معروفة ربما اكثر من اللازم.. آراؤها وأفكارها ومواقفها. وذلك على عكس اوباما الذي يستفيد من غموض مواقفه في بعض القضايا، كما يستفيد من كونه وجها طازجا على الساحة السياسية الأميركية. ومن الأسئلة التي ستطرح على هيلاري خلال حملتها هي ما الذي ستفعله بزوجها. فعندما انتخب كلينتون عين هيلاري في 1993 من منصب رئيس مجموعة العمل لاصلاح السياسات الصحية، وخلال سنوات رئاسته كانت مستشارته في الكثير من القضايا، ومن الافكار المطروحة أن تعين هيلاري زوجها مبعوثا دائما للسلام في الشرق الأوسط، وذلك للاستفادة من شيئين: أولا خبرته في قضية سلام الشرق الأوسط، وثانيا رغبته في ربط اسمه بأي تسوية سياسية في المنطقة. لكن أهم المشاكل التي ستواجه هيلاري خلال الانتخابات التمهيدية بين الديمقراطيين، هي أن آراءها ليبرالية أكثر من اللازم في بعض القضايا، وهذا قد يكلفها اصوات القاعدة الواسعة من الديمقراطيين. ففي قضايا الخلايا الجذعية والاجهاض تعتبر آراء ليبرالية أكثر من اللازم، حسب رأي الكثيرين. وفي استطلاع لمعهد غالوب في مايو (أيار) 2005، اظهر الاستطلاع أن 54% يعتبرون هيلاري ليبرالية، فيما يعتبرها 30% معتدلة، و9% محافظة. وإذا كان على هيلاري مواجهة كل الانتقادات التي توجه وستوجه لها، فإن منافسها اوباما لا ينتقد تقريبا على الاطلاق، حتى النواقص التي غالبا ما تتخذ للهجوم على المرشحين، تجاوزها اوباما بطريقته. فقد كتب اوباما عن تعاطيه المارجوانا والكوكايين خلال سنوات مراهقته قائلا «تعاطيت المخدرات. كان ذلك انعكاسا لمعاناة واضطراب صبي مراهق. الصبية المراهقون عادة ما يكونون مضطربين». وذلك على خلاف بيل كلينتون الذي نفي عام 1992 خلال حملته الانتخابية انه تعاطى المخدرات، ثم عاد واضطر الى الاعتراف. وقد بدأ اوباما يجمع حوله انصار هيلاري داخل الحزب الديمقراطي، ومن بينهم وزير التجارة السابق بيل ديلي الذي بات من داعمي اوباما، ومن المرجح ان يكون مستشارا اساسيا له في حملته.

تخصص اوباما في العلاقات السياسية من جامعة كولومبيا، وبعد تخرجه 1983 عمل في شيكاغو في منظمة غير ربحية لمساعدة الكنائس في تنظيم دورات لتدريب الشباب على العمل في المناطق الفقيرة، وبعدما حصل على الدكتوراه في كلية هارفارد للقانون 1991. وبعد ذلك عاد الى شيكاغو حيث عمل في شركة محاماة في تخصص الحقوق المدنية، ثم عمل مدرسا للقانون الدستوري في جامعة شيكاغو من 1993 حتى انتخب قبل عامين سيناتورا في الكونغرس عن إلينوي. وهو صعود سريع جدا أحد أسبابه الأساسية ليس فقط الكاريزيما أو الذكاء الذي يتمتع به اوباما، بل طريقة تعامله مع خلفيته العرقية ولونه. فوالده حسين اوباما، الكيني الأصل، انفصل عن والدته الأميركية البيضاء من اركنسو بعد عامين من الزواج، ثم تزوجت والدته اندونيسياً وعاد والده إلى كينيا، ولم يكن موضوع اللون أو العرق مسألة يعيها. ففي كتابه الأول الذي صدر عام 1995 بعنوان «أحلام من والدي»، وصف اوباما طفولة تخلو من وعي باختلافات اللون، وبالتالي الهوية «لم يكن والدي يبدو شبيها بأي من الذين يحيطون بنا، فحقيقة انه كان أسود البشرة ووالدتي بيضاء مثل اللبن، لم تسجل في ذهني كشيء مثير للانتباه». ومن عوامل شعبية اوباما انه يقدم صورة غير نمطية عن الأسود، فهو ناجح وسعيد ونافذ وممتن وليس لديه احساس بالظلم وواثق من الحياة وواثق من نفسه وطموح جدا، ولا يطرح مسألة لونه او قضايا السود بشكل مباشر او متواصل، وهو بهذا المعنى اقل اثارة لقلق الناخب الاميركي العادي (الأبيض المسيحي الأنجلو ساكسوني)، من شخص مثل جيسي جاكسون، الذي كان موضوع اللون والهوية لديه على رأس اهتمامه. ويقلل البعض من التأثير السلبي لقلة خبرة اوباما سياسيا. فقبله فاز جون كنيدي ورونالد ريغان بدون ان تكون لهما تجربة سياسية كبيرة. فما الذي يجعل اوباما مقبولا وذا شعبية بالرغم من قلة خبرته السياسية؟

قال مسؤول في الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: إن اوباما يذكر الاميركيين ببيل كلينتون في بدايته «شاب ذكي مثقف ويمنح الأميركيين أملا في المستقبل». لكن آخرين رأوا في اوباما «جيمي كارتر صغيرا»، شاب حالم بعالم أفضل، يريد الحوار مع الآخرين، يريد الجلوس على مائدة المفاوضات والتوصل إلى حلول للمشاكل التي لا يستطيع احد حلها، كما فعل جيمي كارتر في اتفاقية كامب ديفيد بين اسرائيل ومصر.

وجزء أساسي من جاذبية اوباما انه «وجه جديد طازج»، فاذا لم تكن اميركا تريد وجها سياسيا جديدا، وهذا يحتاج لاستكشاف، فإن الديمقراطيين يحتاجون الى وجوه جديدة، فالاسماء التي تتداول بجانب هيلاري، وجون كيري، وجوزيف بيدن، بل وآل غور، كلها وجوه معروفة (وبالتالي مختبرة) لكن هذه لم تعد ميزة، فخلال حفل توقيع كتاب اوباما في بلدة روكفورد في الينوي ووسط آلاف المحتشدين في ملعب رياضي، قال رجل في منتصف العمر: «الكونغرس لم ينجز شيئا هذا العام. لقد سئمت من السياسيين يوجهون اللوم الى بعضهم البعض. يجب ان نتخلص منهم جميعا ونبدأ من جديد»، فرد اوباما بسؤال: «بما في ذلك انا». فرد الرجل:«لا .. لست انت.. انت وافد جديد». لكن الوفود جديدا على عالم السياسة يعني نقص الخبرة، وهذا شيء مكلف ولا يمكن اخفاؤه لوقت طويل. فعندما كان اوباما يقدم محاضرة حول سياسات الطاقة وتأثيرتها البيئية في جامعة جورج تاون، تحدث عن خيارات تقليدية من بينها ان تعمل شركات انتاج الطاقة في ديترويت على انتاج المزيد من الوقود الصديق للبيئة، الا ان آل غور قبله بايام تحدث عن الموضوع ذاته وطرح افكارا أكثر راديكالية، من بينها زيادة الضرائب على منتجي الوقود، واستخدام عائد الضرائب في خفض تكلفة الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية. وعندما سأل جوي كلين الصحافي في مجلة «تايم» اوباما حول لماذا لم يتبن مقترحات من هذا النوع خلال محاضرته أو في كتابه «اوديسا الأمل»، قال «لم افكر في هذا»، ثم علق على مقترحات غور: انها افكار ممتازة. ومن السمات التي تجمع هيلاري واوباما أن كليهما لديه شخصية كاريزمية، وطموح جدا، وله شعبية واسعة داخل قواعد الديمقراطيين. لكن هناك اختلافات بين الاثنين منها ان هيلاري كلينتون أيدت الحرب على العراق لاطاحة نظام صدام حسين، الا انها تنتقد الطريقة التي أدارت بها إدارة جورج بوش الأوضاع في العراق بعد الحرب. وهي تريد انسحابا متدرجا، وخطة انسحاب واضحة للقوات الأميركية. أما اوباما الذي رفض تأييد الحرب على العراق منذ البداية وصوت ضدها، فيريد بدوره انسحابا متدرجا، لكن حذرا، وصفه في منتصف الشهر الجاري «كما دخلنا العراق بكثير من الرعونة، لا بد من الخروج بالكثير من الحذر والتأني»، مشيرا إلى احتمال سيطرة التنظيمات الارهابية على العراق، اذا ما خرجت القوات الاميركية بدون دراسة كافية. اما فيما يتعلق بالشرق الاوسط، فكلاهما تحدث عن اهمية احلال السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين ونشر الديمقراطية في المنطقة. وحول الحوار مع سورية وايران، عبر كلاهما بشكل عام عن أهمية الحوار، غير ان ايا منهما لم يقل صراحة انه لا بد من الحوار مع ايران او سورية. ولن ينتخب الاميركيون في نهاية المطاف إمرأة أو رجلا أسود «تكفيرا عن ذنب» تاريخي اقترفوه، وهو انهم لم ينتخبوا حتى الآن سيدة أو أسود للرئاسة، أو لإثبات أنهم ليسوا عنصريين أو يميزون ضد النساء، فالأصوات ستذهب في النهاية إلى المرشح القادر على مواجهة المشاكل التي تعاني منها البلاد. وكما أن هناك إثارة كبيرة تحيط بموضوع هيلاري ـ اوباما، هناك كذلك مظاهر قلق. فالديمقراطيون الراغبون في العودة إلى البيت الأبيض لا يريدون مرشحا «خارجا عن المألوف أكثر من اللازم»، والمهمة أمام هيلاري واوباما، إذا أرادا الحصول على أصوات الناخبين الأميركيين، هي أن يقنعا الحزب والناخبين المتحفظين أن رئيسا أسود أو رئيسا إمرأة ليس خروجا عن المألوف، بل هو تطور طبيعي.

* الحرمان.. السياسي

* نحو 118 أميركيا أسود و216 إمرأة فقط دخلوا الكونغرس

* تكافح النساء والسود في أميركا من أجل تعزيز وجودهم على الساحة السياسة، غير أن الأرقام توضح الصعوبات التي تقف أمامهم. فتاريخيا كانت النساء والسود من الفئات "المحرومة سياسيا". ومنذ عام 1868 وحتى الآن تم انتخاب 118 افريقيا أميركيا في الكونغرس، غالبيتهم الساحقة في مجلس النواب، فيما انتخب في الشيوخ 5 فقط. وجاء منح الافارقة الأميركيين حق التصويت والمشاركة في الكونغرس بعد الحرب الأهلية الأميركية، وذلك عبر الفقرات 13 و14 و15 من الدستور. اذ تنص المادة 13 التي تم التصديق عليها في 6 ديسمبر (كانون الأول) 1865 على الغاء العبودية. وتنص المادة 14، التي تم التصديق عليها في 9 يوليو (تموز) 1868 على ان كل من ولد في الولايات المتحدة يعتبر أميركيا ويحمل الجنسية الأميركية. أما الفقرة 15 التي تم التصديق عليها في 3 فبراير (شباط) 1870 فتحظر منع حق التصويت بسبب اللون أو العرق. وفي عام 1866 أقر الكونغرس قانون الحقوق المدنية الذي تم بموجبه حل كل الحكومات الكونفيدرالية للولايات، باستثناء تينسي، ومطالبة الولايات الكونفيدرالية بالتصديق على الدستور المعدل. ثم تم تقسيم مناطق الجنوب إلى 5 مقاطع عسكرية لحماية الافارقة الاميركيين الحاصلين قانونيا على حقوقهم حديثا، تحسبا لأي رد فعل انتقامي. وكنتيجة لهذا طالب الأفارقة الأميركيون بمنحهم حق التصويت في كل ولايات الجنوب. وفي عدة ولايات من بينها خصوصا مسيسبي وجنوب كارولينا كان السود يشكلون غالبية السكان فيهما، وبالتالي استطاعوا أن يحصلوا على اصوات كافية تمكنهم من الفوز، فتم في فبراير (شباط) 1870 انتخاب هيرام ريفيلز ليصبح أول سيناتور أسود في مجلس الشيوخ. وفي نفس العام أصبح جوزيف رايني أول أسود في مجلس النواب. كذلك تم انتخاب ممثلين من الاباما وفلوريدا وجورجيا ولويزيانا وميسيسبي وكارولينا الشمالية وفرجينيا. ومن المفارقة أن كل الأفارقة السود الذين فازوا بمقاعد في الكونغرس كانوا ينتمون إلى الحزب الجمهوري. وكان الحزب الجمهوري يمثل في ذلك الوقت الحزب المتنور (حزب ابرهام لينكولن). فيما كان الحزب الديمقراطي يمثل الحزب المحافظ. وحتى عام 1876، كان الجمهوريون يبذلون جهدا حقيقيا لضمان منح السود حق التصويت. لكن بحلول 1890 بدأت الولايات الجنوبية تضع العراقيل أمام السود، ثم بدأت مع الحكومات المحلية وضع قوانين فصل عنصري جردت السود من حقوقهم السياسية، وبدأت مرحلة الاضطرابات العرقية في أميركا. وفي مطلع القرن العشرين، بدأ الأفارقة السود يهاجرون إلى ولايات الشمال، وبالذات نيويورك وشيكاغو، وخلال العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، بدأت تتجمع كتل تصويتية كبيرة للسود الأميركيين. وحتى 1992، كان غالبية الذين تم انتخابهم للكونغرس من الأفارقة الأميركيين من الولايات الشمالية والغربية. وبعد هيرام ريفليز الذي كان أول أسود ينتخب سيناتور في مجلس الشيوخ، وذلك بين 1870 و1871 عن الحزب الجمهوري، تم انتخاب لانش بروس من 1875 الى 1881، وكان كذلك عن الحزب الجمهوري. أما بعد نشأة أميركا بشكلها الحالي، فقد تم انتخاب 3 أفارقة سود فقط في مجلس الشيوخ، أولهم ادوارد بروك من 1967 الى 1979، وذلك عن الحزب الجمهوري، وكارول براون من 1993 الى 1999، وكان عن الحزب الديمقراطي. وحاليا يوجد باراك اوباما. أما فيما يتعلق بالأميركيات بالرغم من انهن حصلن على حق التصويت والترشح في عشرينيات القرن الماضي، إلا أن الولايات المتحدة تحتل مركزا متأخرا بين دول العالم في نسبة مشاركة النساء في العملية السياسية. لكن خلال الثمانينات من القرن الماضي باتت نسبة تصويت النساء في الانتخابات أعلى من الرجال. وعبر التاريخ الأميركي استطاعت نحو 26 امرأة فقط الفوز بمقعد في مجلس الشيوخ من بين نحو 2000 مقعد فاز بها رجال. أما في مجلس النواب، فقد تم انتخاب نحو 190 امرأة فقط من نحو 10 آلاف رجل تم انتخابهم بمجلس النواب.

2 comments:

Anonymous said...

Thanx a lot for such enriched Article and research, it's really out-standing
with all my
best
regards

Corso
rebelboy1st@yahoo.com

Anonymous said...

مجموع قطعة التسويق التحكم الاستعراض الكبير من التفاصيل التي كنت؟ وقد وردت في هذا المقال الموقع. أمل أتمكن من الحصول على بعض أكثر ربما الكثير من الاشياء على موقع الويب الخاص بك. وسوف يصل مرة أخرى.