الصحافية جوديث ميلر .. حمايتها لمصدرها وضعتها خلف القضبان
سجنت في نفس السجن الذي يقبع فيه «الطالباني الأميركي» وزكريا موساوي
واشنطن: محمد علي صالح في الاسبوع الماضي دخلت جوديث ميلر، الصحافية العريقة في جريدة «نيويورك تايمز» سجن الاسكندرية، ضواحي واشنطن، في ولاية فرجينيا، لأنها رفضت كشف مصدر خبر له صلة بالغزو الأميركي للعراق. يعتقل في نفس السجن زكريا موساوي، المتهم الفرنسي المغربي، الذي اعترف بدوره في هجوم 11 سبتمبر على اميركا. ويعتقل في السجن، ايضا، جون ليند، الاميركي الذي ادين بجريمة إعلان الحرب ضد الولايات المتحدة، بعد اعتقاله في افغانستان، وسمي «الطالباني الأميركي»، وحوكم بالسجن المؤبد.
وكان في السجن عبد الرحمن العمودي، الاميركي الاريتري، الذي حوكم بالسجن 25 سنة لاشتراكه في خطة ليبية لاغتيال ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز، ولتهريب أموال اعطتها له ليبيا.
وفي السجن، ايضا، جواسيس اميركيون حوكموا بفترات متعددة لتجسسهم على الولايات المتحدة خلال سنوات الحرب الباردة، منهم روبرت هانسن، محقق سابق في مكتب المباحث الفيدرالي (اف.بي.آي)، والدريش ايمز، عميل سابق في وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.ايه).
ولأن الصحافية جوديث حوكمت بالسجن في واشنطن العاصمة، ارسلت، اولا، الى سجن واشنطن، ثم الى سجن ضاحية الاسكندرية، لأن قسم النساء فيه اكثر امنا، بالمقارنة مع حوادث قتل وهجوم واغتصاب في قسمي النساء والرجال في سجن واشنطن. وكانت جوديث قد طلبت ان تعتقل في منزلها، لكن القاضي رفض ذلك. ثم طلبت ان تعامل معاملة خاصة في السجن، لكن القاضي رفض ذلك، ايضا.
مشكلة جوديث
* بدأت مشكلة جوديث قبل سنتين، عندما كتب جوزيف ويلسون، القائم سابقا بالأعمال الاميركي في العراق، رأيا في جريدتها، «نيويورك تايمز»، انتقد فيه الغزو الاميركي للعراق، وقال ان الرئيس بوش كذب عندما قال ان «سي.آي.ايه» اثبتت وجود اسلحة دمار شامل في العراق. واستشهد بمهمة سرية كلفته بها الوكالة الى النيجر لاثبات انها باعت مواد نووية الى العراق، وقال انه لم يعثر على دليل يؤكد ذلك.
وغضب مؤيدو غزو العراق، وقالوا ان ويلسون كشف دورا سريا كان يجب ان يبقي سرا، ووصفوه بأنه «خائن»، وهو وصف كانوا يطلقونه على كثير من معارضي الغزو.
وبعد اسبوع، نشر روبرت نوفاك، معلق صحافي يميني، من مؤيدي غزو العراق، رايا كشف فيه ان فاليري بالمر، زوجة ويلسون، تعمل في الاستخبارات المركزية، وانها هي التي اختارته لمهمة النيجر، ولولا ذلك لما كان ارسل، لأنه لم يكن الرجل المناسب. وقال نوفاك انه علم ذلك من «مصدرين مسؤولين».
محقق خاص
* ولأن القانون الاميركي يمنع نشر اسم من يعمل في اجهزة الاستخبارات، تحول الموضوع الي قانوني، وضغط ديمقراطيون في الكونغرس على الرئيس بوش لتعيين محقق يكشف الجهة التي سربت وظيفة زوجة ويلسون. واختار بوش نائب وزير العدل، باتريك فتزجيرالد، ليحقق في الموضوع مع الرئيس بوش، ومسؤولين آخرين كبار. ثم انتقل الى الصحافيين. ومن بين الذين حقق معهم ماثيو كوبر، الصحافي في مجلة «تايم»، وجوديث ميلر، في جريدة «نيويورك تايمز». ويعتقد ان المحقق حصل على معلومات بأن الاثنين يعرفان الشخص، او الاشخاص الذين كشفوا وظيفة زوجة ويلسون. لكن الاثنين رفضا كشف اي اسم. ودفعت «تايم» و«نيويورك تايمز» تكاليف محامين استأجروهما للدفاع عن الصحافي والصحافية، ولاستئناف الأحكام، حتى وصلت القضية الى المحكمة العليا. ولسوء حظ الاثنين، ايدت المحكمة العليا (التي تفسر الدستور الاميركي) بأن لا شخص يعلو فوق القانون، حتى ولو كان صحافيا، خاصة اذا كان تعاونه مطلوبا للوصول الى الحقيقة في قضية مهمة.
صمود وتنازل
* ويوم الاربعاء الماضي، ذهب الاثنان الى توماس هوغان، قاضي واشنطن الفيدرالي، ليحاكمهما بالسجن. لكن كوبر قال، في آخر لحظة، انه سيكشف اسم مصدره لأن مصدره اتصل به هاتفيا في اليوم السابق، وسمح له بذلك. ورغم ان هذا مقبول ومتعارف عليه مهنيا وأخلاقيا، تساءل صحافيون ومراقبون عن توقيت ما فعل كوبر، وربطوه بقرار «تايم» في الاسبوع الماضي بتسليم اوراقه الى المحقق. وقال هؤلاء ان «تايم»، وهي جزء من شركة «تايم ورنر» (التي تملك صحفا ومحطات تلفزيون واذاعة) خافت على مصالحها، وعلى دفع الف دولار عن كل يوم لا يكشف فيه الصحافي مصدر الخبر. ولهذا ضغطت على الصحافي، اولا، لتأخذ اوراقه، وثانيا، لتسلمها الى المحقق، وثالثا، لتساعده على ما يعتقد انها «حيلة» حتى لا يسجن.
في الجانب الآخر، ايدت «نيويورك تايمز» تحدي الصحافية جوديث، وهي، كما قالت، يعتبر تحديا «مهنيا واخلاقيا» وفي اي حال، لن تبقى في السجن اكثر من اربعة أشهر، مع نهاية هيئة المحلفين التي تحقق في القضية.
بالإضافة إلى جوديث
* تحولت جوديث من تغطية الاخبار الى صناعتها، لكنها ليست اول صحافية تسجن بسبب اصرارها على عدم كشف مصدر اخبارها. فقد سبقها زميل آخر في «نيويورك تايمز»، ماريون فاربر، الذي سجن 40 يوما، سنة 1978، لأنه رفض كشف اسم مصدر في قضية بولاية نيوجيرسي المجاورة، وغرم 1000 دولار، وغرمت الجريدة 185 ألف دولار. وبعد سنة اصدر حاكم ولاية نيوجيرسي قرارا بالعفو عنه.
وفي سنة 1982 سجن باري سميث، صحافي في جريدة «دورانغو هيرالد» (ولاية نورث داكوتا) ليومين، وغرم 500 دولار، لأنه رفض كشف اسم مصدر في قضية كتب عنها. ثم الغيت القضية. وفي سنة 1985، سجن كريستوفر فان نيس، وهو صحافي متعاون في كاليفورنيا، ليوم واحد لأنه رفض تسليم شريط لمقابلة لها صلة بقضية موت الممثل جون بلوشي. وكان مقررا ان يبقى في السجن فترة اطول، لكنه سلم الشريط وأطلق سراحه.
وفي سنة 1996، غرم ديفيد كيدويل، صحافي في جريدة «ميامي هيرالد»، 500 دولار، وحوكم بالسجن شهرين لأنه رفض تسليم شريط مقابلة مع معتقل في قضية جنائية، لكنه خرج بعد اسبوعين بعد ان قدم استرحاما.
وآخر صحافية سجنت قبل جوديث كانت فانيسا ليغيت، من تكساس، قبل ثلاث سنوات، وكانت قد كتبت كتابا عن جريمة قتل هناك، وعندما حققت الشرطة في القضية، وطلبت من فانيسا كشف مصادرها، رفضت. وحوكمت بالسجن، لكنها خرجت بعد ستة أشهر عندما انتهت فترة هيئة المحلفين. وحسب القانون، لم تستدعها هيئة المحلفين التالية، لأن الأخيرة استطاعت ان تحكم في جريمة القتل بدون الاعتماد على معلومات فانيسا.
No comments:
Post a Comment